مصطلح ذو مدلولات متعددة، فقد يكون شكلاً لحكومة،أو نظامًا اقتصاديًا، أو حركة ثورية، أو طريقة حياة، أو هدفًا أو مثلاً أعلى. وهي مجموعة أفكار عن كيف ولماذا تحركت أحداث التاريخ وفي أي اتجاه جرت. وقد طور هذه الأفكار بشكل رئيسي فلاديمير لينين الذي كان قائدًا ثوريًا روسيًا في مطلع القرن العشرين الميلادي وذلك بالاعتماد على كتابات كارل ماركس.
أصبحت الشيوعية إحدى أكبر القوى في العالم التي شكلت أحداث التاريخ بعد البدايات الأولى للقرن العشرين.
تشير الأدبيات الماركسية إلى أن الهدف البعيد للشيوعية هو إقامة مجتمع تسوده المساواة بين المواطنين ويتحقق فيه الأمن الاقتصادي للجميع. وقد نادى الشيوعيون بأن تمتلك الحكومة الممثلة للطبقة العاملة المصانع والآلات ووسائل الإنتاج الأساسية الأخرى بدلاً من الأفراد، وبأن تقوم هذه الحكومة بالتخطيط للأنشطة الاقتصادية.
وتتراوح أساليب الوصول إلى السلطة والمحافظة على استمراريتها بين العنف الثوري وبين الدعاية والتعليم. وحتى الثمانينيات من القرن العشرين كانت الدول الشيوعية دولاً دكتاتورية لا يسمح حكامها بالتعددية الفكرية أو الحزبية
وكثيرًا ما يتم الخلط بين مصطلحي الشيوعية والاشتراكية، فالشيوعيون يشيرون إلى معتقداتهم وأهدافهم على أنها اشتراكية، وقد استخدموا هذه الكلمة في الشعارات الرسمية لجمهورياتهم، في حين لا يعتبر الاشتراكيون الذين يسمون غالبًا الديمقراطيين الاشتراكيين أنفسهم شيوعيين. فالاشتراكية قد ترتكز أو لا ترتكز على تعاليم ماركس، ولكن معتقدات الاشتراكيين لا ترتكز على تعاليم لينين. وترتكز الشيوعية على تعاليم كل من ماركس ولينين. ويسعى كل من الشيوعيين والاشتراكيين إلى أن تكون الملكية عامة و إلى تنظيم وسائل الإنتاج الرئيسية. وفي الوقت الذي يحبذ فيه الاشتراكيون الوصول إلى أهدافهم بالوسائل السلمية والقانونية، فإنهم لا يعارضون استخدام القوة في تحقيق أهدافهم.
موقف الإسلام من الشيوعية.
موقف الإسلام من الشيوعية موقف واضح وصريح وهو الرفض التام لكل الأسس الفكرية التي انبثقت عنها الشيوعية مثل إنكار وجود الله، وتفسير تاريخ البشرية من خلال مفهوم الصراع الطبقي، ومحاربة الأديان، ومحاربة الملكية الفردية، والمناداة بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات.
الملامح الرئيسية للشيوعية
تختلف الشيوعية اختلافًا كبيرًا من قطر شيوعي إلى آخر.غير أن هناك ملامح رئيسية تشترك فيها هذه الأقطار بصورة أو بأخرى، وذلك حتى أواخر الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي.وهذه الملامح تتمثل في:
الحزب الشيوعي.
كان هذا الحزب، تقليديًا، وسيلة الشيوعيين للوصول للسلطة وممارستها. وحتى عهد قريب، كان الحزب الشيوعي الحزب الوحيد الذي يهيمن على السلطة في جميع البلدان الشيوعية.
وتفرض الأحزاب الشيوعية على نحو تقليدي المتطلبات الصارمة لعضويتها. كما تتسم بالمركزية الشديدة، والقادة هم الذين يتخذون القرارات المهمة، بالإضافة إلى ذلك، تلزم الأحزاب الشيوعية أعضاءها بالطاعة التامة. فبعد أن يتبنى الحزب سياسة ما، فعلى جميع الأعضاء الموافقة على خط الحزب إلى أن يتم تبني برنامج آخر.
وفي أغلب البلدان الشيوعية تقل نسبة المنتمين إلى الحزب الشيوعي عن 10%، على الرغم من أن الانتماء إلى الحزب يُعدٌّ طريقة للحصول على الوظيفة والحفاظ عليها.
الشيوعية والحكومة.
أدى قادة الحزب في البلدان الشيوعية دورًا أساسيًا في صنع أهم القرارت الحكومية والتأكد من متابعة تنفيذ هذه القرارات، فالحزب يربط بين مختلف التنظيمات التي تساند النظام الحاكم، وتشمل هذه التنظيمات: الحكومة والشرطة والجيش والإدارات المركزية التي تسيطر على الزراعة والصناعة.
ومعظم البلدان الشيوعية لديها هيئة تشريعية وطنية منتخبة. وفي أغلب الانتخابات لايسمح بالتصويت إلا للأشخاص الذين يوافق عليهم الحزب، يضاف إلى ذلك، أن هذه الهيئات التشريعية ليس لها إلا سلطات محدودة. وأعضاء هذه الهيئات يمررون بدون إثارة أسئلة ـ في الغالب ـ جميع القوانين التي يقترحها قادة الحزب الشيوعي.
الشيوعية والاقتصاد.
كانت إدارة الاقتصاد المسؤولية الرئيسية للحكومات الشيوعية. وفي أغلب الدول الشيوعية، تملك الدولة معظم الأراضي والمصارف والموارد الطبيعية، والصناعات وقطاعات عريضة من التجارة والنقل، كما قد تعمل الحكومة أيضًا على تشغيل جميع وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز ونشر وإنتاج الأفلام. ومعظم القرارات الاقتصادية الرئيسية يتخذها مخططو الحكومة، على أن تتوافق مع سياسات الحزب الشيوعي، فالمخططون عليهم أن يقرروا ماذا وكم يجب أن ينتج، بجانب تقريرهم مستوى أسعار السلع ورسوم الخدمات.
التغير الاقتصادي.
حققت معظم الدول الشيوعية بدون شك خلال عدد من السنوات تقدمًا سريعًا في بناء مصانعها، وثمة أسباب عديدة لهذا النمو الصناعي السريع. منها أن غالبية هذه الدول لم يكن لديها ـ عندما استولى الشيوعيون على السلطة فيها ـ سوى صناعة بسيطة. وجعل الحكام الجدد التصنيع أحد أهدافهم المهمة. تمكن هؤلاء الحكام من التركيز ـ لفترة ـ على تطوير منتجات الصناعة الثقيلة مثل: الفولاذ والآلات، دون اعتبار لمتطلبات الأفراد من طعام وكساء وإسكان. وفي مطلع ثمانينيات القرن العشرين بدأ العديد من الناس يدركون أن الإصلاحات الرئيسية ضرورية لزيادة كفاءة الإنتاج ولتحسين نوعية السلع والخدمات. وفي أواخر ثمانينيات القرن العشرين بدأت العديد من الدول الشيوعية في إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية.
الشيوعية والحرية الشخصية.
اعتبر الشيوعيون أن أهدافهم في بناء الحزب والدولة تأتي في المقدمة على حساب الحقوق والحريات الشخصية. وفي الماضي، حاول الشيوعيون في معظم الدول أن يثبطوا المواطنين عن القيام بأداء العبادة الدينية لأنهم اعتبروا الدين عائقًا للتطور.
مصادر الشيوعية
ترتكز الشيوعية الحديثة على نظريات ماركس كما فسرها وطوَّرها لينين. وهذه النظريات تسمى غالبًا بالنظريات الماركسية اللينينية.
الماركسية.
عبّر ماركس عن أفكاره الأساسية أولاً في البيان الشيوعي (عام 1848م) الذي كتبه مع فريدريك إِنجلز. واعتقد ماركس أن السبيل الوحيد لضمان السعادة وقيام مجتمع متآلف هو في وضع العمال في مركز السيطرة. وكانت أفكاره ردة فعل ضد معاناة العمال الشديدة في كل من فرنسا وإنجلترا وألمانيا؛ حيث كان معظم عمال المصانع والمناجم يتقاضون أجورًا زهيدة ويعملون ساعات طويلة في ظروف غير صحية.
وكان ماركس مقتنعًا بأن انتصار الشيوعية أمر محتم. وكان يؤكد أن التاريخ يسير وفق قوانين معينة ثابتة، تمامًا كما يتقدم من مرحلة إلى أخرى. وتتميز كل مرحلة بنضالات تقود إلى مرحلة أكثر تطورًا، والشيوعية ـ كما أعلن ماركس ـ هي مرحلة التطور العليا.
وحسب ما يرى ماركس، يكمن مفتاح فهم مراحل التطور التاريخي في معرفة العلاقات بين الطبقات المختلفة للناس في مجال إنتاج السلع. وكان يعتقد أن مالكي المصانع ووسائل الإنتاج الأخرى هم الطبقة الحاكمة لأنهم يفرضون إرادتهم على الناس بقوة نفوذهم الاقتصادي، كما كان يعتقد أن الصراع الطبقي هو الوسيلة التي يمكن بوساطتها الانتقال بالتاريخ من مرحلة إلى أخرى تالية، وأن الطبقة الحاكمة لن تتخلى أبدًا بإرادتها عن السلطة، ولذلك فإن الكفاح والعنف هما أمران حتميان.
وقد نادى ماركس بإلغاء الرأسمالية، وهي نظام اقتصادي تكون ملكية وسائل الإنتاج الرئيسية فيه ملكية خاصة. ويعتقد ماركس أن صراعًا يدور بين البرجوازية والبروليتاريا في ظل الرأسمالية. فالبرجوازيون هم مالكو وسائل الإنتاج، والبروليتاريا هي طبقة العمال، وقد أوضح ماركس أن العمال لا يتقاضون في كنف الرأسمالية الأجر العادل عن أعمالهم، لأن المالكين يستأثرون بالأرباح، واعتقد أن الثروة سوف تكون في يوم ما بأيدي فئة قليلة من الناس، وأن معظم الناس من الطبقة المتوسطة سيجبرون على أن يكونوا عمالاً، وأن مستويات معيشة العمال سوف تسير باطراد نحو الأسوأ، وهي أمور ستؤدي إلى ثورة العمال وإلى سيطرتهم على الصناعة واستيلائهم على الحكومة.
ووفق ما يرى ماركس، فإن العمال سيكوِّنون دكتاتورية البروليتاريا (الطبقة الكادحة) التي ستعمل على إقامة المجتمع الشيوعي اللاطبقي، وأخيرًا سوف يعيش كل فرد في سلام ورخاء وحرية، وسوف لا يكون هناك حاجة إلى حكومات أو شرطة أو جيش، وسوف تختفي كل هذه الأمور تدريجيًا. وكان ماركس يعتقد أن هذه التنبؤات مثلها مثل التنبؤات العلمية في العلوم الطبيعية حتمية الوقوع وإن خالفه كثير من علماء الطبيعة الذين يرون أن العلم يسير نحو اللاحتمية؛ إذ أن القوانين العلمية تتغير بتغير معطياتها، ولما كانت المعطيات الطبيعية متجددة باستمرار فإننا لا نستطيع أن نجزم بحتمية القوانين الطبيعية ناهيك بالقوانين الاقتصادية التي تعتمد على معطيات ليس لها حظ من الثبات إطلاقًا.
كانت فلسفة ماركس تقوم على أساس مادي فحواه أن الحياة مادة فقط وأن تطور الحياة البشرية كتطور الحياة الطبيعية يتم بآلية حتمية وكان يعتقد أن عقل الإنسان نفسه هو مجرد انعكاس للمادة وليس للحياة الإنسانية أساس روحي أو ميتافيزيقي ـ ما ورائي ـ لذلك كانت النظرية ترفض الأديان جميعًا وتصنفها كأفيون للشعوب.
انتشار الشيوعية.
توقع ماركس أن تختبر نظرياته في كل من ألمانيا وبريطانيا أو في بعض الدول المتقدمة صناعيًا، لكنَّ ذلك حدث في روسيا المتخلفة نسبيًا حيث نجح الشيوعيون لأول مرة في إقامة حكومة شيوعية. وطوال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين نشط الشيوعيون المحليون في العديد من البلدان، لكنهم لقوا هزائم قاسية في كل من الصين وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا. في عام 1919م ساعد الشيوعيون الروس في إنشاء الكومنتيرن (الدولية الشيوعية)، ووحد الكومنتيرن جميع الأحزاب الشيوعية في العالم في تنظيم ثوري منظم، وأصبح أداة في يد القادة السوفييت، ولما باءت محاولات هذا التنظيم في تشجيع الثورات في البلدان الأخرى بالفشل تم إلغاء هذا التنظيم عام 1943م.
وقد أتاحت الحرب العالمية الثانية فرصًا للشيوعيين في كسب العديد من الدول. ففي عامي 1939 و1940م ضم الاتحاد السوفييتي (سابقًا) كلاً من لاتفيا ولتوانيا وإِستونيا بالإضافة إلى أجزاء من بولندا وفنلندا ورومانيا.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، ساعد الجنود السوفييت في تحرير العديد من الدول من السيطرتين الألمانية واليابانية. ومن هنا أصبحت بلدان: بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا ورومانيا وكوريا الشمالية ديمقراطيات شعبية مرتبطة بأحلاف ومعاهدات عسكرية واقتصادية وسياسية مع الاتحاد السوفييتي.
وقد حارب الشيوعيون والوطنيون في الصين اليابانيين الذين غزوا بلدهم في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي. وبعد الحرب العالمية الثانية نشبت في الصين حرب أهلية بين الشيوعيين والوطنيين. وقد كان للشيوعيين بقيادة ماوتسي تونج اليد العليا في هذه الحرب. وفي عام 1949م سيطر الشيوعيون في الصين على كافة الأراضي الصينية الرئيسية.
في عام 1947م أنشأت تسعة أحزاب شيوعية أوروبية الكومينفورم (دائرة الإعلام الشيوعي)، وقد سيطر السوفييت على الكومينفورم وحاولوا استخدامه من أجل ضمان استمرار الأحزاب الأخرى في اتباع سياستهم. طُردت يوغوسلافيا من الكومينفورم عام 1948م، بعدما رفض جوزيف بروز تيتو أن يكون تابعًا لسياسات الاتحاد السوفييتي. وبعدها فقد الكومينفورم فاعليته وتم حله عام 1956م. وفي أواخر الأربعينيات من القرن العشرين وعدت الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها بمساعدة الحكومات غير الشيوعية التي كانت على وشك السقوط تحت سيطرة الشيوعييين، ومن هنا نشأ صراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية وعرف هذا الصراع بالحرب الباردة.
التطورات الجديدة
في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، شهدت معظم البلدان الشيوعية فترات طويلة من الركود الاقتصادي. فقد ثبت فشل السياسات الاقتصادية في تحسين الكفاءة الاقتصادية وفي تطوير تقنيات جديدة. وقد حاولت العديد من الدول أن تواجه هذه المشكلات بمحاولة إجراء إصلاحات اقتصادية. ونورد فيما يلي صورًا عن هذا التطور في كل من البلدان الشيوعية التالية.
في الاتحاد السوفييتي.
أصبح ميخائيل جورباتشوف رئيسًا للحزب الشيوعي عام 1985م. واقترح إصلاحات سياسية وأخرى اقتصادية تتبنى اقتصاد السوق، وذلك في سياسة عرفت بالبروسترويكا. وفي ظل الإصلاحات السياسية سمح للمواطنين السوفييت بتشكيل أحزاب سياسية غير شيوعية. وفي انتخابات عام 1989م سمح أن ينافس أعضاء من خارج الحزب الشيوعي للحصول على أغلب مقاعد الشعب في الاتحاد السوفييتي. كما سمح لهؤلاء الأعضاء بالترشيح لمجلس السوفييت في خمس عشرة جمهورية وكذلك في الحكومات المحلية. كما سمح بحرية التعبير في سياسة أطلق عليها جلاس نوست (الانفتاح).
وفي عام 1991م قام بعض المسؤولين الشيوعيين بانقلاب ضد جورباتشوف وأزاحوه عن السلطة، لكن هذا الانقلاب ما لبث أن فشل وعاد جورباتشوف إلى مركزه. وبعد عودة جورباتشوف إلى السلطة استقال من رئاسة الحزب وبقي رئيسًا للحكومة. وقد أنهت استقالته من قيادة الحزب رسميًا سيطرة الحزب على الحكومة السوفييتية. وبعد ذلك أمر البرلمان بتعليق جميع نشاطات الحزب الشيوعي. وبنهاية عام 1991م، أعلنت الجمهوريات التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي استقلالها. وفي ديسمبر من نفس العام أعلنت 11 جمهورية من هذه الجمهوريات قيام اتحاد فضفاض بينها أطلق عليه كومنولث الدول المستقلة وقدم جورباتشوف استقالته من رئاسة الاتحاد السوفييتي الذي أصبح أثرًا بعد عين.
في الصين.
بدأ دنج كسياوبنج بإدخال إصلاحات اقتصادية في نهاية سبعينيات القرن العشرين. وأول إصلاحاته كانت تشجيع عائلات الفلاحين على استئجار المزارع وإنتاج السلع من أجل بيعها في السوق الحرة. وفي المناطق الساحلية ركزت الحكومة على تصنيع السلع الاستهلاكية من أجل تصديرها. كما تم الترحيب أيضًا بالاستثمارات الأجنبية. وفي نهاية ثمانينيات القرن العشرين بدأت مطالبة العديد من طلاب الجامعات الصينية بإدخال الإصلاحات السياسية. وفي عام 1989م تظاهر مئات الألوف من الطلبة والعمال في ميدان بيكين تيانانمن؛ وكذلك في عدة مدن أخرى، وقد طالبوا جميعًا بمزيد من الديمقراطية وبالقضاء على الفساد الحكومي، لكن المؤسسة العسكرية الصينية سحقت المظاهرات وقتلت العديد من المحتجين، وفي نفس الوقت تقريبًا بدأت الحكومة في التراجع عن إصلاحاتها الاقتصادية.
في أوروبا الشرقية.
عام 1989م اكتسحت التغيرات السياسية المثيرة دول أوروبا الشرقية التي كان يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي (سابقًا) منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين. مثل: بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وألمانيا الشرقية ورومانيا وبلغاريا. وقد أدت هذه التغيرات إلى تقليص حاد لسيطرة الأحزاب الشيوعية على أغلب دول أوروبا الشرقية. وقد نتج عن الانتخابات الحرة في بولندا قيام حكومة ائتلافية حصل فيها غير الشيوعيين على معظم المراكز. كما تشكلت حكومة ائتلافية في تشيكوسلوفاكيا (السابقة) أيضًا. وفي المجر تشكل نظام الأحزاب المتعددة. وقد فتحت ألمانيا الشرقية حدودها الطويلة المغلقة مع ألمانيا الغربية، وانتهى احتكار الحزب الشيوعي للسلطة السياسية فيها، أما في رومانيا فقد أدت الثورة الدموية إلى إعدام رئيس الحزب شاوشيسكو، وسيطر الشيوعيون الذين تعهدوا بإتاحة حريات أكبر على الحكم. كما سيطر الشيوعيون الذين أيدوا الإصلاحات أيضًا على الحكم في بلغاريا. وفي عام 1990م أُتيح لأحزاب متعددة في كل من المجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية (السابقتين) ورومانيا وبلغاريا أن تشارك في انتخابات حرة، فأتت إلى السلطة أحزاب غير شيوعية في كل من المجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية. كما وافقت حكومة ألمانيا الشرقية على أن تتحد مع ألمانيا الغربية، وتم الاتحاد بينهما في الثالث من أكتوبر عام 1990م، وفي نفس العام وافق الاتحاد السوفييتي (السابق) على توحيد ألمانيا. وفي بداية عام 1992م استطاع غير الشيوعيين الوصول إلى سدة الحكم في بلغاريا وألبانيا. وخلال عامي 1991 و1992م أعلنت أربع جمهوريات من جمهوريات يوغوسلافيا السابقة الست استقلالها وهي البوسنة والهرسك، وكرواتيا ومقدونيا، وسلوفينا، وقامت فيها حكومات غير شيوعية. وفي الأول من يناير 1993م شكلت جمهوريتا سلوفاكيا وتشيكيا لتحلا محل تشيكوسلوفاكيا السابقة.
الشيوعية اليوم.
تراجعت الشيوعية بوصفها نظامًا للحكم في جميع أرجاء العالم بل أنها فقدت مناصريها في الدول الشيوعية.
في الدول الشيوعية.
بحلول عام 1992م، لم تعد الشيوعية تحوز سلطة إلا في الصين وكوبا ولاوس وكوريا الشمالية وفيتنام. وبادرت حكومتا الصين وفيتنام بإجراء إصلاحات اقتصادية.
في الدول غير الشيوعية.
رغم وجود أحزاب شيوعية صغيرة في فرنسا واليونان والبرتغال والمملكة المتحدة إلا أن ممثليها في الهيئات التشريعية قليلون جدًا أو منعدمون تمامًا. وفي إيطاليا، انشق الحزب الشيوعي على نفسه، وأسقط الحزبان الوليدان السياسات الماركسية من أدبياتهما. أما الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق فقد صنفت نفسها بوصفها أحزابًا اشتراكية وتخلت عن المبادئ الشيوعية.
أصبحت الشيوعية إحدى أكبر القوى في العالم التي شكلت أحداث التاريخ بعد البدايات الأولى للقرن العشرين.
تشير الأدبيات الماركسية إلى أن الهدف البعيد للشيوعية هو إقامة مجتمع تسوده المساواة بين المواطنين ويتحقق فيه الأمن الاقتصادي للجميع. وقد نادى الشيوعيون بأن تمتلك الحكومة الممثلة للطبقة العاملة المصانع والآلات ووسائل الإنتاج الأساسية الأخرى بدلاً من الأفراد، وبأن تقوم هذه الحكومة بالتخطيط للأنشطة الاقتصادية.
وتتراوح أساليب الوصول إلى السلطة والمحافظة على استمراريتها بين العنف الثوري وبين الدعاية والتعليم. وحتى الثمانينيات من القرن العشرين كانت الدول الشيوعية دولاً دكتاتورية لا يسمح حكامها بالتعددية الفكرية أو الحزبية
وكثيرًا ما يتم الخلط بين مصطلحي الشيوعية والاشتراكية، فالشيوعيون يشيرون إلى معتقداتهم وأهدافهم على أنها اشتراكية، وقد استخدموا هذه الكلمة في الشعارات الرسمية لجمهورياتهم، في حين لا يعتبر الاشتراكيون الذين يسمون غالبًا الديمقراطيين الاشتراكيين أنفسهم شيوعيين. فالاشتراكية قد ترتكز أو لا ترتكز على تعاليم ماركس، ولكن معتقدات الاشتراكيين لا ترتكز على تعاليم لينين. وترتكز الشيوعية على تعاليم كل من ماركس ولينين. ويسعى كل من الشيوعيين والاشتراكيين إلى أن تكون الملكية عامة و إلى تنظيم وسائل الإنتاج الرئيسية. وفي الوقت الذي يحبذ فيه الاشتراكيون الوصول إلى أهدافهم بالوسائل السلمية والقانونية، فإنهم لا يعارضون استخدام القوة في تحقيق أهدافهم.
موقف الإسلام من الشيوعية.
موقف الإسلام من الشيوعية موقف واضح وصريح وهو الرفض التام لكل الأسس الفكرية التي انبثقت عنها الشيوعية مثل إنكار وجود الله، وتفسير تاريخ البشرية من خلال مفهوم الصراع الطبقي، ومحاربة الأديان، ومحاربة الملكية الفردية، والمناداة بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول للأفراد والجماعات.
الملامح الرئيسية للشيوعية
تختلف الشيوعية اختلافًا كبيرًا من قطر شيوعي إلى آخر.غير أن هناك ملامح رئيسية تشترك فيها هذه الأقطار بصورة أو بأخرى، وذلك حتى أواخر الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي.وهذه الملامح تتمثل في:
الحزب الشيوعي.
كان هذا الحزب، تقليديًا، وسيلة الشيوعيين للوصول للسلطة وممارستها. وحتى عهد قريب، كان الحزب الشيوعي الحزب الوحيد الذي يهيمن على السلطة في جميع البلدان الشيوعية.
وتفرض الأحزاب الشيوعية على نحو تقليدي المتطلبات الصارمة لعضويتها. كما تتسم بالمركزية الشديدة، والقادة هم الذين يتخذون القرارات المهمة، بالإضافة إلى ذلك، تلزم الأحزاب الشيوعية أعضاءها بالطاعة التامة. فبعد أن يتبنى الحزب سياسة ما، فعلى جميع الأعضاء الموافقة على خط الحزب إلى أن يتم تبني برنامج آخر.
وفي أغلب البلدان الشيوعية تقل نسبة المنتمين إلى الحزب الشيوعي عن 10%، على الرغم من أن الانتماء إلى الحزب يُعدٌّ طريقة للحصول على الوظيفة والحفاظ عليها.
الشيوعية والحكومة.
أدى قادة الحزب في البلدان الشيوعية دورًا أساسيًا في صنع أهم القرارت الحكومية والتأكد من متابعة تنفيذ هذه القرارات، فالحزب يربط بين مختلف التنظيمات التي تساند النظام الحاكم، وتشمل هذه التنظيمات: الحكومة والشرطة والجيش والإدارات المركزية التي تسيطر على الزراعة والصناعة.
ومعظم البلدان الشيوعية لديها هيئة تشريعية وطنية منتخبة. وفي أغلب الانتخابات لايسمح بالتصويت إلا للأشخاص الذين يوافق عليهم الحزب، يضاف إلى ذلك، أن هذه الهيئات التشريعية ليس لها إلا سلطات محدودة. وأعضاء هذه الهيئات يمررون بدون إثارة أسئلة ـ في الغالب ـ جميع القوانين التي يقترحها قادة الحزب الشيوعي.
الشيوعية والاقتصاد.
كانت إدارة الاقتصاد المسؤولية الرئيسية للحكومات الشيوعية. وفي أغلب الدول الشيوعية، تملك الدولة معظم الأراضي والمصارف والموارد الطبيعية، والصناعات وقطاعات عريضة من التجارة والنقل، كما قد تعمل الحكومة أيضًا على تشغيل جميع وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز ونشر وإنتاج الأفلام. ومعظم القرارات الاقتصادية الرئيسية يتخذها مخططو الحكومة، على أن تتوافق مع سياسات الحزب الشيوعي، فالمخططون عليهم أن يقرروا ماذا وكم يجب أن ينتج، بجانب تقريرهم مستوى أسعار السلع ورسوم الخدمات.
التغير الاقتصادي.
حققت معظم الدول الشيوعية بدون شك خلال عدد من السنوات تقدمًا سريعًا في بناء مصانعها، وثمة أسباب عديدة لهذا النمو الصناعي السريع. منها أن غالبية هذه الدول لم يكن لديها ـ عندما استولى الشيوعيون على السلطة فيها ـ سوى صناعة بسيطة. وجعل الحكام الجدد التصنيع أحد أهدافهم المهمة. تمكن هؤلاء الحكام من التركيز ـ لفترة ـ على تطوير منتجات الصناعة الثقيلة مثل: الفولاذ والآلات، دون اعتبار لمتطلبات الأفراد من طعام وكساء وإسكان. وفي مطلع ثمانينيات القرن العشرين بدأ العديد من الناس يدركون أن الإصلاحات الرئيسية ضرورية لزيادة كفاءة الإنتاج ولتحسين نوعية السلع والخدمات. وفي أواخر ثمانينيات القرن العشرين بدأت العديد من الدول الشيوعية في إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية.
الشيوعية والحرية الشخصية.
اعتبر الشيوعيون أن أهدافهم في بناء الحزب والدولة تأتي في المقدمة على حساب الحقوق والحريات الشخصية. وفي الماضي، حاول الشيوعيون في معظم الدول أن يثبطوا المواطنين عن القيام بأداء العبادة الدينية لأنهم اعتبروا الدين عائقًا للتطور.
مصادر الشيوعية
ترتكز الشيوعية الحديثة على نظريات ماركس كما فسرها وطوَّرها لينين. وهذه النظريات تسمى غالبًا بالنظريات الماركسية اللينينية.
الماركسية.
عبّر ماركس عن أفكاره الأساسية أولاً في البيان الشيوعي (عام 1848م) الذي كتبه مع فريدريك إِنجلز. واعتقد ماركس أن السبيل الوحيد لضمان السعادة وقيام مجتمع متآلف هو في وضع العمال في مركز السيطرة. وكانت أفكاره ردة فعل ضد معاناة العمال الشديدة في كل من فرنسا وإنجلترا وألمانيا؛ حيث كان معظم عمال المصانع والمناجم يتقاضون أجورًا زهيدة ويعملون ساعات طويلة في ظروف غير صحية.
وكان ماركس مقتنعًا بأن انتصار الشيوعية أمر محتم. وكان يؤكد أن التاريخ يسير وفق قوانين معينة ثابتة، تمامًا كما يتقدم من مرحلة إلى أخرى. وتتميز كل مرحلة بنضالات تقود إلى مرحلة أكثر تطورًا، والشيوعية ـ كما أعلن ماركس ـ هي مرحلة التطور العليا.
وحسب ما يرى ماركس، يكمن مفتاح فهم مراحل التطور التاريخي في معرفة العلاقات بين الطبقات المختلفة للناس في مجال إنتاج السلع. وكان يعتقد أن مالكي المصانع ووسائل الإنتاج الأخرى هم الطبقة الحاكمة لأنهم يفرضون إرادتهم على الناس بقوة نفوذهم الاقتصادي، كما كان يعتقد أن الصراع الطبقي هو الوسيلة التي يمكن بوساطتها الانتقال بالتاريخ من مرحلة إلى أخرى تالية، وأن الطبقة الحاكمة لن تتخلى أبدًا بإرادتها عن السلطة، ولذلك فإن الكفاح والعنف هما أمران حتميان.
وقد نادى ماركس بإلغاء الرأسمالية، وهي نظام اقتصادي تكون ملكية وسائل الإنتاج الرئيسية فيه ملكية خاصة. ويعتقد ماركس أن صراعًا يدور بين البرجوازية والبروليتاريا في ظل الرأسمالية. فالبرجوازيون هم مالكو وسائل الإنتاج، والبروليتاريا هي طبقة العمال، وقد أوضح ماركس أن العمال لا يتقاضون في كنف الرأسمالية الأجر العادل عن أعمالهم، لأن المالكين يستأثرون بالأرباح، واعتقد أن الثروة سوف تكون في يوم ما بأيدي فئة قليلة من الناس، وأن معظم الناس من الطبقة المتوسطة سيجبرون على أن يكونوا عمالاً، وأن مستويات معيشة العمال سوف تسير باطراد نحو الأسوأ، وهي أمور ستؤدي إلى ثورة العمال وإلى سيطرتهم على الصناعة واستيلائهم على الحكومة.
ووفق ما يرى ماركس، فإن العمال سيكوِّنون دكتاتورية البروليتاريا (الطبقة الكادحة) التي ستعمل على إقامة المجتمع الشيوعي اللاطبقي، وأخيرًا سوف يعيش كل فرد في سلام ورخاء وحرية، وسوف لا يكون هناك حاجة إلى حكومات أو شرطة أو جيش، وسوف تختفي كل هذه الأمور تدريجيًا. وكان ماركس يعتقد أن هذه التنبؤات مثلها مثل التنبؤات العلمية في العلوم الطبيعية حتمية الوقوع وإن خالفه كثير من علماء الطبيعة الذين يرون أن العلم يسير نحو اللاحتمية؛ إذ أن القوانين العلمية تتغير بتغير معطياتها، ولما كانت المعطيات الطبيعية متجددة باستمرار فإننا لا نستطيع أن نجزم بحتمية القوانين الطبيعية ناهيك بالقوانين الاقتصادية التي تعتمد على معطيات ليس لها حظ من الثبات إطلاقًا.
كانت فلسفة ماركس تقوم على أساس مادي فحواه أن الحياة مادة فقط وأن تطور الحياة البشرية كتطور الحياة الطبيعية يتم بآلية حتمية وكان يعتقد أن عقل الإنسان نفسه هو مجرد انعكاس للمادة وليس للحياة الإنسانية أساس روحي أو ميتافيزيقي ـ ما ورائي ـ لذلك كانت النظرية ترفض الأديان جميعًا وتصنفها كأفيون للشعوب.
انتشار الشيوعية.
توقع ماركس أن تختبر نظرياته في كل من ألمانيا وبريطانيا أو في بعض الدول المتقدمة صناعيًا، لكنَّ ذلك حدث في روسيا المتخلفة نسبيًا حيث نجح الشيوعيون لأول مرة في إقامة حكومة شيوعية. وطوال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين نشط الشيوعيون المحليون في العديد من البلدان، لكنهم لقوا هزائم قاسية في كل من الصين وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا. في عام 1919م ساعد الشيوعيون الروس في إنشاء الكومنتيرن (الدولية الشيوعية)، ووحد الكومنتيرن جميع الأحزاب الشيوعية في العالم في تنظيم ثوري منظم، وأصبح أداة في يد القادة السوفييت، ولما باءت محاولات هذا التنظيم في تشجيع الثورات في البلدان الأخرى بالفشل تم إلغاء هذا التنظيم عام 1943م.
وقد أتاحت الحرب العالمية الثانية فرصًا للشيوعيين في كسب العديد من الدول. ففي عامي 1939 و1940م ضم الاتحاد السوفييتي (سابقًا) كلاً من لاتفيا ولتوانيا وإِستونيا بالإضافة إلى أجزاء من بولندا وفنلندا ورومانيا.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، ساعد الجنود السوفييت في تحرير العديد من الدول من السيطرتين الألمانية واليابانية. ومن هنا أصبحت بلدان: بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا ورومانيا وكوريا الشمالية ديمقراطيات شعبية مرتبطة بأحلاف ومعاهدات عسكرية واقتصادية وسياسية مع الاتحاد السوفييتي.
وقد حارب الشيوعيون والوطنيون في الصين اليابانيين الذين غزوا بلدهم في الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي. وبعد الحرب العالمية الثانية نشبت في الصين حرب أهلية بين الشيوعيين والوطنيين. وقد كان للشيوعيين بقيادة ماوتسي تونج اليد العليا في هذه الحرب. وفي عام 1949م سيطر الشيوعيون في الصين على كافة الأراضي الصينية الرئيسية.
في عام 1947م أنشأت تسعة أحزاب شيوعية أوروبية الكومينفورم (دائرة الإعلام الشيوعي)، وقد سيطر السوفييت على الكومينفورم وحاولوا استخدامه من أجل ضمان استمرار الأحزاب الأخرى في اتباع سياستهم. طُردت يوغوسلافيا من الكومينفورم عام 1948م، بعدما رفض جوزيف بروز تيتو أن يكون تابعًا لسياسات الاتحاد السوفييتي. وبعدها فقد الكومينفورم فاعليته وتم حله عام 1956م. وفي أواخر الأربعينيات من القرن العشرين وعدت الولايات المتحدة الأمريكية حلفاءها بمساعدة الحكومات غير الشيوعية التي كانت على وشك السقوط تحت سيطرة الشيوعييين، ومن هنا نشأ صراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية وعرف هذا الصراع بالحرب الباردة.
التطورات الجديدة
في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، شهدت معظم البلدان الشيوعية فترات طويلة من الركود الاقتصادي. فقد ثبت فشل السياسات الاقتصادية في تحسين الكفاءة الاقتصادية وفي تطوير تقنيات جديدة. وقد حاولت العديد من الدول أن تواجه هذه المشكلات بمحاولة إجراء إصلاحات اقتصادية. ونورد فيما يلي صورًا عن هذا التطور في كل من البلدان الشيوعية التالية.
في الاتحاد السوفييتي.
أصبح ميخائيل جورباتشوف رئيسًا للحزب الشيوعي عام 1985م. واقترح إصلاحات سياسية وأخرى اقتصادية تتبنى اقتصاد السوق، وذلك في سياسة عرفت بالبروسترويكا. وفي ظل الإصلاحات السياسية سمح للمواطنين السوفييت بتشكيل أحزاب سياسية غير شيوعية. وفي انتخابات عام 1989م سمح أن ينافس أعضاء من خارج الحزب الشيوعي للحصول على أغلب مقاعد الشعب في الاتحاد السوفييتي. كما سمح لهؤلاء الأعضاء بالترشيح لمجلس السوفييت في خمس عشرة جمهورية وكذلك في الحكومات المحلية. كما سمح بحرية التعبير في سياسة أطلق عليها جلاس نوست (الانفتاح).
وفي عام 1991م قام بعض المسؤولين الشيوعيين بانقلاب ضد جورباتشوف وأزاحوه عن السلطة، لكن هذا الانقلاب ما لبث أن فشل وعاد جورباتشوف إلى مركزه. وبعد عودة جورباتشوف إلى السلطة استقال من رئاسة الحزب وبقي رئيسًا للحكومة. وقد أنهت استقالته من قيادة الحزب رسميًا سيطرة الحزب على الحكومة السوفييتية. وبعد ذلك أمر البرلمان بتعليق جميع نشاطات الحزب الشيوعي. وبنهاية عام 1991م، أعلنت الجمهوريات التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي استقلالها. وفي ديسمبر من نفس العام أعلنت 11 جمهورية من هذه الجمهوريات قيام اتحاد فضفاض بينها أطلق عليه كومنولث الدول المستقلة وقدم جورباتشوف استقالته من رئاسة الاتحاد السوفييتي الذي أصبح أثرًا بعد عين.
في الصين.
بدأ دنج كسياوبنج بإدخال إصلاحات اقتصادية في نهاية سبعينيات القرن العشرين. وأول إصلاحاته كانت تشجيع عائلات الفلاحين على استئجار المزارع وإنتاج السلع من أجل بيعها في السوق الحرة. وفي المناطق الساحلية ركزت الحكومة على تصنيع السلع الاستهلاكية من أجل تصديرها. كما تم الترحيب أيضًا بالاستثمارات الأجنبية. وفي نهاية ثمانينيات القرن العشرين بدأت مطالبة العديد من طلاب الجامعات الصينية بإدخال الإصلاحات السياسية. وفي عام 1989م تظاهر مئات الألوف من الطلبة والعمال في ميدان بيكين تيانانمن؛ وكذلك في عدة مدن أخرى، وقد طالبوا جميعًا بمزيد من الديمقراطية وبالقضاء على الفساد الحكومي، لكن المؤسسة العسكرية الصينية سحقت المظاهرات وقتلت العديد من المحتجين، وفي نفس الوقت تقريبًا بدأت الحكومة في التراجع عن إصلاحاتها الاقتصادية.
في أوروبا الشرقية.
عام 1989م اكتسحت التغيرات السياسية المثيرة دول أوروبا الشرقية التي كان يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي (سابقًا) منذ أواخر أربعينيات القرن العشرين. مثل: بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وألمانيا الشرقية ورومانيا وبلغاريا. وقد أدت هذه التغيرات إلى تقليص حاد لسيطرة الأحزاب الشيوعية على أغلب دول أوروبا الشرقية. وقد نتج عن الانتخابات الحرة في بولندا قيام حكومة ائتلافية حصل فيها غير الشيوعيين على معظم المراكز. كما تشكلت حكومة ائتلافية في تشيكوسلوفاكيا (السابقة) أيضًا. وفي المجر تشكل نظام الأحزاب المتعددة. وقد فتحت ألمانيا الشرقية حدودها الطويلة المغلقة مع ألمانيا الغربية، وانتهى احتكار الحزب الشيوعي للسلطة السياسية فيها، أما في رومانيا فقد أدت الثورة الدموية إلى إعدام رئيس الحزب شاوشيسكو، وسيطر الشيوعيون الذين تعهدوا بإتاحة حريات أكبر على الحكم. كما سيطر الشيوعيون الذين أيدوا الإصلاحات أيضًا على الحكم في بلغاريا. وفي عام 1990م أُتيح لأحزاب متعددة في كل من المجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية (السابقتين) ورومانيا وبلغاريا أن تشارك في انتخابات حرة، فأتت إلى السلطة أحزاب غير شيوعية في كل من المجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية. كما وافقت حكومة ألمانيا الشرقية على أن تتحد مع ألمانيا الغربية، وتم الاتحاد بينهما في الثالث من أكتوبر عام 1990م، وفي نفس العام وافق الاتحاد السوفييتي (السابق) على توحيد ألمانيا. وفي بداية عام 1992م استطاع غير الشيوعيين الوصول إلى سدة الحكم في بلغاريا وألبانيا. وخلال عامي 1991 و1992م أعلنت أربع جمهوريات من جمهوريات يوغوسلافيا السابقة الست استقلالها وهي البوسنة والهرسك، وكرواتيا ومقدونيا، وسلوفينا، وقامت فيها حكومات غير شيوعية. وفي الأول من يناير 1993م شكلت جمهوريتا سلوفاكيا وتشيكيا لتحلا محل تشيكوسلوفاكيا السابقة.
الشيوعية اليوم.
تراجعت الشيوعية بوصفها نظامًا للحكم في جميع أرجاء العالم بل أنها فقدت مناصريها في الدول الشيوعية.
في الدول الشيوعية.
بحلول عام 1992م، لم تعد الشيوعية تحوز سلطة إلا في الصين وكوبا ولاوس وكوريا الشمالية وفيتنام. وبادرت حكومتا الصين وفيتنام بإجراء إصلاحات اقتصادية.
في الدول غير الشيوعية.
رغم وجود أحزاب شيوعية صغيرة في فرنسا واليونان والبرتغال والمملكة المتحدة إلا أن ممثليها في الهيئات التشريعية قليلون جدًا أو منعدمون تمامًا. وفي إيطاليا، انشق الحزب الشيوعي على نفسه، وأسقط الحزبان الوليدان السياسات الماركسية من أدبياتهما. أما الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق فقد صنفت نفسها بوصفها أحزابًا اشتراكية وتخلت عن المبادئ الشيوعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق