يرجع أصل كلمة capitale إلى اللفظة اللاتينية caput ومعناها الرأس، واستعملت منذ القرنين الثاني عشر والثالث عشر للدلالة على الأموال ومخازن البضائع، وتطور هذا المصطلح ليعني بشكل أكثر تحديداً، (ثروة مؤسسة أو ثروة تاجر)، ثم اتخذ في القرن الثامن عشر دلالة خاصة ليشير إلى «المال المنتج». وجاءت كلمة الرأسمالية كمصطلح، نسبةً إلى الرأسمالي مالك الثروة. وتعرف الرأسمالية Capitalisme بأنها نظام اقتصادي - اجتماعي تكون فيه معظم وسائل الإنتاج ملكية خاصة ويكون دافع الربح والمنفعة فيه محرك النشاط الاقتصادي.
المنظور التاريخي ونشأة الرأسمالية
مرت البشرية في تطورها بالنظم الاجتماعية - الاقتصادية الآتية: النظام البدائي المشاعي والنظام العبودي والنظام الإقطاعي والنظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي الذي لم يصمد طويلاً على الصعيد العالمي. والرأسمالية كمرحلة تاريخية، نشأت على أنقاض النظام الإقطاعي الذي أدى إلى تطور تقنيات الإنتاج في الزراعة، فتحسنت مجالات تربية الماشية والإنتاج الحيواني، كما تعمق التخصص وتقسيم العمل ضمن الحرفة الواحدة، وتطورت التجارة بين البلدان الأوربية وكذلك ما بين الشرق والغرب، مما أضاف عوامل حاسمة أدت إلى نشوء بذور العلاقات الرأسمالية.
إن جذور الرأسمالية منغرسة بالحروب والاستعمار وبتراكم الثروات والأموال، وبدافع الرغبة الجامحة بالربح. مع الحملة الصليبية الأولى، استفاقت أوربا المتخلفة المفككة الأوصال على ثروات الشرق الغني، وتوالت حملات حكامها على رؤوس جيوش من فلاحيهم الفقراء الطامحين بالتحرر من نير الإقطاع والفقر الشديد.لقد حققت الحروب الصليبية لأوربة مزايا جلية هيأت الظروف لإحداث انقلابات جذرية وعميقة وبيئة مناسبة لقيام الثورة الصناعية فيما بعد.
وفي القرن الخامس عشر توحدت مقاطعات إنكلترا وكذلك فرنسا وإسبانيا، وفيما بعد هولندا، وساعد في تقويتها، الاكتشافات الجغرافية وغزو المستعمرات، مما فتح لها أسواقاً خارجية ومصدراً للحصول على المواد الأولية وعلى كميات هائلة من الذهب والفضة أدت إلى التراكم «الأولي» لرأس المال، ساعد بدوره لاحقاً على الانتقال إلى أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
وتعدّ الثورة الصناعية، التي بدأت في إنكلترا ومن ثم انتقلت إلى بقية دول أوربا ثم إلى الولايات المتحدة واليابان، المفصل الأساسي في تطور النظام الرأسمالي، إذ أدت إلى إثراء الطبقة البرجوازية وتمركز رؤوس الأموال، وبالتالي إلى تدعيم أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
أسلوب الإنتاج الرأسمالي
يقوم النظام الرأسمالي في أسلوب إنتاجه على:
1- الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ولكل الموارد غير البشرية، وتعود ملكيتها إلى الرأسماليين (أفراداً كانوا أم اتحادات)، أما باقي أعضاء المجتمع، فإنهم لا يملكون سوى قوة عملهم التي يبيعونها للرأسماليين أصحاب وسائل الإنتاج، ومن ثم فإن المجتمع الرأسمالي ينقسم إلى طبقتين رئيسيتين، طبقة الرأسماليين (القلة) وطبقة العمال (الأكثرية).
2- حرية الأفراد في تحقيق مصالحهم الشخصية دون تدخل من قبل الدولة، إلا في الحدود اللازمة لحفظ النظام العام، وتوفير المناخ المطلوب للأداء الاقتصادي.
3- المنافسة الحرة بين المؤسسات والأفراد، من خلال المزاحمة التامة وآلية عمل قانون العرض والطلب في السوق.
4- حافز الربح ومبدأ المنفعة الشخصية محركاً أساسياً لأي قرار أو نشاط اقتصادي.
5- التوازن والتناغم ما بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، حيث تتحقق المنفعة للجميع، إذا حققها كل فرد بنفسه.
6- حياد الدولة في النشاط الاقتصادي، والتي يجب أن يقتصر دورها على حماية الحدود وحفظ الأمن والنظام، ورسم الأطر وتشريع الأسس اللازمة لتسهيل النشاط الخاص للأفراد.
7- فرضية الرشد والعقلانية في سلوك الأفراد والمشروعات عند اتخاذهم للقرارات الاقتصادية.
ومع أن هذه المبادئ كانت المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي في بدايات نشوء النظام الرأسمالي وفي مراحل تطوره في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إلا أن المراحل المتقدمة لتطور الرأسمالية، أدت إلى نسف أهمها، كما سنرى لاحقاً.
تناقضات الرأسمالية
تعاني الرأسمالية من عدة تناقضات نابعة من طابع أسلوب الإنتاج ذاته، وأهم هذه التناقضات على الإطلاق التناقض الأساسي المتمثل بالتناقض بين الطابع الاجتماعي المتطور لوسائل الإنتاج والطابع الفردي لتملك المنتجات. فمع التقدم التقني يصبح عمل الاقتصاد الوطني متأثراً بعمل أي من وحدات الإنتاج الكبيرة. وفي ضوء اتساع أحجام الشركات المتعددة الجنسية قد يؤثر اضطراب العمل في إحداها على الاقتصاد العالمي. وينتج عن التناقض الأساسي في الرأسمالية سلسلة من التناقضات الفرعية مثل التناقض بين مصلحة الرأسماليين الذين يديرون وسائل الإنتاج لتأمين أعلى ربح ممكن وبين مصلحة الطبقة العاملة التي ترغب في الحصول على نسبة أعلى من عوائد الإنتاج. وكذلك التناقض بين الاتجاه نحو زيادة الإنتاج وتناقص الاستهلاك فالرأسماليون سعياً منهم لزيادة أرباحهم يحولون قسماً من القيمة الزائدة إلى استثمارات جديدة تعتمد تقنيات عالية قليلة الطلب على اليد العاملة مما يقود إلى تخفيض حصة العمال من الناتج القومي فينخفض الطلب الاستهلاكي في الوقت الذي يزداد فيه إنتاج الخيرات المادية. ويمكن ملاحظة التناقض بين الطابع المخطط للعمل على مستوى المشروع بهدف الاستثمار الأمثل لموارده والفوضى في السوق التي تؤدي إلى إفلاس الكثير من المشروعات وهدر الأموال المستثمرة فيها إضافة إلى إحالة العاملين فيها على البطالة.في الواقع فإن الرأسمالية تولد في داخلها سلسلة من التناقضات التي تفسر أسباب تعاقب الدورات الاقتصادية[ر] في الرأسمالية.
مراحل تطور النظام الرأسمالي
في إطار تطور النظام الرأسمالي، فقد مر الإنتاج بالمراحل الآتية:
ـ الإنتاج البسيط: ويتم في ورشات صغيرة، ويقوم العامل بسائر مراحل العملية الإنتاجية.
ـ الإنتاج المانيفاكتوري: ويتم في مشاغل كبيرة، في إطار من التخصص وتقسيم العمل.
ـ الإنتاج الصناعي (الآلي): حيث حلت الآلة في المصانع الكبيرة مكان أدوات العمل البسيطة.
وبحسب طبيعة النشاط الغالب يمكن التمييز بين الأشكال الرأسمالية الآتية:
1- الرأسمالية التجارية و«الربوية»: والتي نشأت بذورها في حضن النظام الإقطاعي، ونمت في مرحلتي الإنتاج البسيط والمانيفاكتوري، إذ ازدادت أهمية التجارة آنذاك، وفي مرحلة متقدمة، راح رأس المال التجاري يلعب دوراً مهماً في تراكم رأس المال النقدي، حين بدأ التجار بتشغيل الحرفيين لحسابهم وبتمويل عمليات الإنتاج، مما أدى إلى ظهور نظام «الممولين».
2- الرأسمالية الصناعية: والتي تمتد جذورها إلى المرحلة السابقة، ثم اتضحت ملامحها مع قيام الثورة الصناعية وانتشار الإنتاج الآلي الموسع في نهاية القرن الثامن عشر.
3- الرأسمالية المالية: وتتميز باندماج رأس المال الصناعي مع رأس المال المصرفي، وظهور ما يسمى بـ «رأس المال المالي»، أو بـ«الطغمة المالية».
وهذا قاد إلى تركز الدخول والثروات في أيدي عدد قليل من الناس في حين تتحول الغالبية العظمى إلى فقراء.
ففي عام 1820م كانت نسبة ما تملكه الشريحة الأغنى في العالم إلى ما تملكه الشريحة الأدنى دخلا ً(7: 1)، وأصبحت هذه النسبة (30: 1) في عام 1960م، ثم (74: 1) عام 1997م. كما ورد في تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عام (1999)، أن أغنى ثلاثة أفراد في العالم يحوزون أصولاً تفوق الناتج القومي لمجمل الدول الأشد فقراً في العالم، والتي يعيش فيها ستمائة مليون شخص.
4- الرأسمالية ما بعد الصناعية: ولا يعني ذلك أن الرأسمالية تخلت عن التجارة أو الصناعة أو المال، بل أنها تجاوزت ذلك كله إلى مرحلة أرقى من تطوير قوى الإنتاج استناداً إلى العلم والتقنية، فيما صار يعرف باسم «الثورة الصناعية الثالثة» أو «الثورة العلمية والتقنية في خدمة المشروعات». وانعكست آثار هذه الثورة على كل بقاع العالم، تبعيةً وعبئأً على العالم الثالث، وثروةً وسلطةً على دول المراكز الرأسمالية.
وكنظام اقتصادي - اجتماعي، فقد تطورت الرأسمالية في مرحلتين:
المرحلة الأولى (الرأسمالية ما قبل الاحتكارية) أو رأسمالية المنافسة حيث كانت تغلب على النشاط الرأسمالي حرية الممارسة والمنافسة التامة بين المشروعات والأنشطة وقد جاءت المدرسة التقليدية (الكلاسيكية) لتؤكد على ضرورة إزالة كل الحواجز والعراقيل من أمام التطور العفوي للرأسمالية. في هذه المرحلة التي استمرت طوال القرن التاسع عشر هيمنت بريطانية على الاقتصاد العالمي.
المرحلة الثانية (الرأسمالية الاحتكارية - الإمبريالية) في أواخر القرن التاسع عشر، بدأت تظهر الاحتكارات الضخمة والشركات متعددة الجنسية (ولاسيما الاحتكارات النفطية والكهربائية والمعدنية في الولايات المتحدة).
وتمثل هذه المرحلة مرحلة «النظام الدولي الحديث» الذي استقر بعد الحرب العالمية الثانية، وكان يعكس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، التي بدأت قوتها المتفوقة تتضح آنذاك. ومع ظهور «رأس المال المالي» دخلت الرأسمالية مرحلة الإمبريالية، في ظل تلاحم مصالح «الاحتكارات» و«الطغمة» مع سلطة الدولة.
خصائص الرأسمالية الجديدة (الرأسمالية الجشعة)
في العصر الحاضر، لم تتغير الخصائص الجوهرية للرأسمالية، القائمة بالأساس على التناقضات والاستغلال والأزمات والصراع والاستعمار، والذي تطور فقط هو شكل وأسلوب وأدوات (إدارة) النظام الرأسمالي الإمبريالي.
حولت الرأسمالية المنجزات الحديثة لتطور العلم والتكنولوجية والمعلومات إلى قوة إنتاجية هائلة، استطاعت بموجبها توسيع وإحكام سيطرتها وسلطتها وقوتها الكونية من جهة، وامتصاص جوانب عديدة من إشكالياتها وتناقضاتها من الجهة الأخرى. وقد بدت قدرة الرأسمالية في نواح ثلاث:
أولاً - إدارة التناقضات والاستغلال: أظهرت الرأسمالية قدرة كبيرة على التكيف مع الظروف والمراحل التاريخية، بل قدرتها على الاستفادة منها. واستطاعت الأنظمة الرأسمالية أن تلطف من حدة تناقضاتها التناحرية وتأجيلها، على مستويين:
أ - تقديم مزايا للطبقة العاملة في الدول الرأسمالية، على حساب التشديد في استغلال الشعوب الأخرى.
ب - تغيرت أطراف الصراع الاقتصادي التقليدي ما بين الدول الرأسمالية في تنافسها على أسواق الدول الأخرى، إلى صراع اقتصادي - سياسي - أيديولوجي وأحياناً عسكري، ما بين الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبين بقية دول العالم.
ثانياً - إدارة الأزمات: ساعدت الأبحاث والدراسات القائمة على تقنيات المعلومات المتطورة،على صياغة سياسات اقتصادية لاتخاذ احتياطات مسبقة «لمنع وقوع» أو للتخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية، لتتحول هذه الأزمات إلى حالات من الركود الاقتصادي «الممتد» وإلى حالات من الانكماش التي يمكن للاقتصاد أن يتكيف معها.
وبسبب التشابكات الاقتصادية والمالية على المستوى الدولي، فقد استطاع النظام الرأسمالي أن يوجد لنفسه، سواء على المستوى القومي أم العالمي، الأدوات والآليات المناسبة المساعدة على مواجهة الأزمات والتخفيف من حدتها.
ثالثاً - إدارة الصراع و«النظام الدولي الجديد»: إن التحولات الكبرى التي حدثت في العالم مع بداية التسعينات من القرن العشرين، والتي تمثلت في انهيار وتفكك المعسكر الشرقي، وبروز ما يسمى « النظام الدولي الجديد»، قد أسفرت عن انفراط عقد الثنائية القطبية «التي تميز بها النظام الدولي السابق»، لصالح الهيمنة المطلقة للرأسمالية الإمبريالية على العالم.
وكما يقول «إل برغر»، فإن الاستعمار هو التعبير الضروري عن الرأسمالية في مرحلة متقدمة، ولذلك فإن النظام الدولي الجديد، هو استعادة جديدة للاستعمار القديم، إلا أن ما يميز هذا«النظام الاستعماري الجديد» ما يأتي:
ـ القطبية الأحادية للهيمنة العسكرية والسياسية الأمريكية، والقطبية الثلاثية للهيمنة الاقتصادية (الولايات المتحدة الأمريكية / أوربة الغربية / اليابان).
ـ استغلال التطور التقني والتقني الإمبريالي في التحكم (عن بعد) في كل بقعة من بقاع العالم.
ـ المحاولة الإمبريالية (الأمريكية) لإجراء عملية إعادة تشكيل أو ضبط (بنيوي) للشعوب والأنظمة والقوى المخالفة لها أو الرافضة لسيد النظام الجديد، وذلك عن طريق الحصار الاقتصادي و/أو التصعيد السياسي و/أو التهديد العسكري.
ـ الهيمنة الإمبريالية على الهيئات والمؤسسات الدولية الواقعة في إطار الأمم المتحدة.
يمكن أن نطلق على المرحلة الحالية لتطور الرأسمالية التي نشأت ليبرالية ثم تطورت إلى احتكارية ثم إلى إمبريالية، أنها تمر اليوم في مرحلة الرأسمالية الجشعة.
مستقبل الرأسمالية
يعتبر الفكر الماركسي أن الرأسمالية هي مرحلة تاريخية زائلة، تحمل بذور زوالها في تناقضاتها الداخلية، وتراهن الماركسية على تناحرية هذه التناقضات وتفاقم حدتها في مرحلة معينة، فتتحرك الطبقة العاملة المستَغلة وتسيطر على وسائل الإنتاج، ويتم الانتقال إلى النظام الاشتراكي. إلا أن الأنظمة الرأسمالية استطاعت بنجاح كبير أن تخفف من حدة تناقضاتها الداخلية، بتصريفها جزئياً إلى خارج حدودها، وأن تغير أو تحور في معادلة الصراع، من صراع ما بين الطبقة العاملة والرأسماليين، إلى صراع ما بين الأنظمة الرأسمالية والأنظمة غير الرأسمالية. ومن ثم، فإنه لا يمكن في الأمد المنظور التعويل على تحرك الطبقة العاملة في المراكز الرأسمالية للقضاء على النظام الرأسمالي.
إن مستقبل الرأسمالية متوقف من جهة، على قدرتها في تطوير آليات جديدة للسيطرة على المستَغَلين والمستَعمَرين، ويتوقف من الجهة الأخرى، على مستوى تطور وقدرة وإرادة وتحالف المعسكر الآخر في كبح جماح المراكز الرأسمالية العالمية. ولكن الرأي السائد اليوم، أن النظام الرأسمالي كأحد التشكيلات الاقتصادية ـ الاجتماعية في تاريخ التطور البشري، لم يرسخ في جذوره الاجتماعية، ولم يتطور بعد إلى مرحلته النهائية، وما زالت لدى الرأسمالية القدرة على تخطي مرحلتها الإمبريالية «القومية» إلى مرحلة «الإمبريالية الكونية» الاستعمارية.
ويضاف إلى ذلك أن هيمنة الولايات المتحدة على النظام الرأسمالي العالمي ترافقت بالظاهرتين الآتيتين:
ـ إشعال نار الحروب المحلية في المكان والزمان اللذين يدعمان هيمنة الولايات المتحدة على العالم: حربي الخليج الأولى والثانية، الحرب في يوغسلافية والحرب على الإرهاب وامتداداتها المتوقعة.
ـ إشراك أي قوة اقتصادية أو عسكرية في مجلس إدارة العالم الذي تترأسه الولايات المتحدة عندما تشعر هذه الأخيرة خوفاً من خروج هذه القوة على الهيمنة الأمريكية، كما فعلت مع روسية بضمها إلى مجموعة الثمانية الكبار، وكما تحاول مع الصين وبعض الدول الكبرى في مجموعة العالم الثالث.
خصائص الرأسمالية في أقطار الوطن العربي
رزحت البلدان العربية تحت نير الاستعمار لأكثر من 500 عام، وسط صراعات وتناقضات دولية غلب عليها اقتران الاستعمار بالرأسمالية التجارية والصناعية. وبعد استقلالها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان على هذه البلدان أن تتكون وتنمو وأن توطد استقلالها السياسي والاقتصادي في ظل نظامين اقتصاديين عالميين متناقضين، ومعوقات إمبريالية - صهيونية مصطنعة على مختلف الأصعدة وتناحر عسكري ما زال قائماً، بدءً من حرب احتلال فلسطين عام 1948م، ومروراً بحرب السويس عام 1956م وبقية الحروب اللاحقة المعروفة التي مرت بها المنطقة العربية.
لذلك نشأت أنظمة اقتصادية عربية مشوهة في أحد الأطر الآتية:
ـ أنظمة مقلدة للنظام الرأسمالي وتدور عشوائياً في فلكه.
ـ أنظمة ذات ميول اشتراكية، استوردت بعض المفاهيم من دول الكتلة الشرقية.
ـ أنظمة متأرجحة، ما بين ملكية الدولة لقطاع عام مسيطر، وبين الدور الاقتصادي الهام للقطاع الخاص، وهي بالنهاية لا رأسمالية ولا اشتراكية.
فلا توجد رأسمالية واضحة المعالم في البلدان العربية، بالمفهوم المعروف للنظام الرأسمالي، وإن وجدت بعض الملامح الشبيهة بالرأسمالية في بعض هذه البلدان، فإنها تتصف بما يأتي:
ـ تابعة وتدور في فلك دول المركز الرأسمالي.
ـ تغلب عليها الأنشطة التجارية.
ـ تسيطر على أهم أنشطتها بعض الفئات المتنفذة و/أو الحاكمة.
ـ متلكئة، تحميها أحياناً، وتعرقل عملها أحيانا أخرى سلطة الدولة، في محيط من البيروقراطية والقوانين المتناقضة والمتقادمة وغير المستقرة.
عموماً، وكما هي حال دول العالم الثالث، تبقى البلدان العربية في مخططات الغرب الرأسمالي، وبحسب تقسيم العمل الإمبريالي، ذلك الجزء من العالم، الذي يجب أن يبقى، كما هُيِّئ له، سوقاً لتصريف بضائع دول المركز الرأسمالي، ومصدراً للطاقة والمواد الأولية، ومستورداًً لتصريف أزمات العالم الرأسمالي. إن النظام الاقتصادي في البلدان العربية شبه رأسمالي وليس رأسمالياً أو شبه اشتراكي وليس اشتراكياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق